قناة البحار ودستور إسرائيل المائي/ أكرم الشهابي

-

قناة البحار ودستور إسرائيل المائي/ أكرم الشهابي
أطلت علينا وكالات الإنباء بخبر مقتضب يزاحم الأخبار المتلاحقة والأعصاب المشدودة والعيون المترقبة إمام شاشات التلفاز بزحف وزحف مضاد لحماية الأقصى:وبين خبر عاجل وخبر مارق.
يتم التوقيع على اتفاقية مشتركة لإجراء دراسة تمهيدية لفحص إمكانية حفر قناة بين البحرين الأحمر والميت.
وزير البنى التحتية الإسرائيلي (ولا يهمنا اسمه لأنه ابن مؤسسة ) وسيتم شرح ذلك لاحقا.

ووزير المياه الأردني (وأيضا لا يهمنا أسمة ) لأنه يذهب بقرار ويوقع بقرار.ولا يهم أن بذلك مصلحة خير أو خراب للأهل والدار.
ووزير التخطيط الفلسطيني السيد الخطيب (وهذا بيت القصيد) لن نناقش صلاحية سيادة الوزير أكانت حكومة مؤقتة أو مرقطة.
ولكنه وزير التخطيط..ولكم لهذه الكلمة من معنى من الناحية العلمية .ووضع الخطط المستقبلية والاستراتيجية لعشرات السنين المستقبلية كما يفعل (أبناء عمومتنا)!!!!. أو لإنجاح مخطط قد يكون عمرة أكثر من مئة عام كما سنرى لاحقا.
وان كان شارون قد غامر بالدخول إلى بيروت بعد خروج المقاتلين وفي زحمة المجازر والدم والدخان قد انقض على مركز التخطيط الفلسطيني ونهب محتوياته وحملها جوا إلى فلسطين المحتلة وكانت له الكنز الثمين.لان ما كان يمثله مركز الدراسات واحتوائه على الوثائق والدراسات كان يقلق مضاجع العدو .وبعد عملية تبادل الأسرى في 24/11/1984 والتي تضمنت أيضا عودة هذه المستندات والوثائق وأعاد العدو منها ما أعاد ونهب وسرق ما أراد.

ولكي ننغص على موشي دايان صاحب مقولة أن العرب قوم جهلة لا يقرأون ...
نلمع ذاكرة سلفه بان من كانوا أشبال في الفتح لا ينسون..
ونضع بين أيدي وزير تخطيطنا العتيد هذة الدراسة التي من خلالها يتنور يفيد ويستفيد ..
لأننا في زمن التكنو قراط ومن الواجب أن لا نفرط بحق أو ثوابت ولو كانت بمقدار قيراط
تؤكد مختلف التقارير التي تناولت النشأة التاريخية لفكرة "قناة البحار" التي صادقت عليها حكومة العدو الصهيوني في 24/8/1980 وبدئ العمل بتنفيذها في مطلع حزيران 1981 تؤكد أن هذة الفكرة تعود إلى عام 1850 أي إلى السنوات التي كان فيها الفكر الاستعماري منصبا على بلورة الفكرة الصهيونية وإنضاجها.وكما كانت بريطانيا السباقة في الدعوة لإنشاء الكيان الصهيوني فقد كانت أيضا السباقة في بلورة فكرة (قناة البحار) بهدف الحفاظ على طريقها الاستعماري إلى الهند.

ففي عام 1850 أوفدت بريطانيا الكولونيل البريطاني ويليام الين عضو جمعية المهندسين الملكية البريطانية إلى فلسطين ليدرس إمكانية تحقيق فكرة ربط البحرين الأبيض والميت بقناة.وصاغ الين اقتراحاته وافكارة في الكتاب الذي نشرة اثر رحلته بعنوان "البحر الميت طريق جديدة إلى الميت"وقد اقترح شق قناة تبدأ من خليج حيفا مارة بالجليل إلى البحر الميت وفكرة شق قناة أخرى تربط البحر الميت بالبحر الأحمر.

وفيما بعد حاول الجنرال تثارلز غوردون تطوير فكرة الين.كان غوردن حاكما للسودان من قبل بريطانيا وبعد أن أنهى خدمته العسكرية قرر الاستيطان في فلسطين المحتلة.وقد صرح غوردون "انه بعد إغراق البحر الميت بمياه القناة التي ستجر من الشمال سوف يرتفع منسوب مياهه إلى منسوب مياه سطح البحر وهذا ما يسمح لها بالتدفق جنوبا حتى خليج العقبة" ووضع لتصوراته هذه برامج وخرائط دقيقة. وقد أرفق غوردون برامجه وخرائطه بتحليل سياسي أشار فيه إلى أن "المصريين سوف يخونون بريطانيا في احد الأيام ويطردونها من مصر وسيسيطرون على قناة السويس وبهذا سوف تخسر بريطانيا طريقها القصير إلى الهند"وأضاف:إن هذة القناة قد تستخدم أيضا ضد أي غزو روسي للمنطقة عن طريق العراق والأردن".وذهب غوردون بخياله إلى حد تصور إن الماء الذي سيأتي من البحر المتوسط سوف يرفع مستوى الماء في البحر الميت وبهذا ستتدفق المياه بشكل طبيعي وتصل إلى خليج العقبة حيث تفتح أمام السفن طريق بحري جديد.

وفي عام 1899 اقترح المهندس ماكس بوركهارت الذي اعتنق الدين اليهودي وأطلق عليه اسم أبراهام بن أبراهام على الزعيم الصهيوني تيودور هيرتزل فكرة إنشاء قناتين لتزويد الدولة الصهيونية المزمع إنشاؤها في فلسطين بالطاقة الكهربائية وسد احتياجاتها من المياه العذبة.

القناة الأولى تمتد من حيفا وتجري في وادي جزريل ثم تهبط إلى وادي الأردن وتسير فيه إلى البحر الميت.

القناة الثانية تمتد من الطرف الجنوبي من بحيرة طبريا على موازاة نهر الأردن من جهة الغرب.ويتضمن مشروع هذة القناة إقامة محطات في الفسيحات المختلفة لضخ المياه في قنوات فرعية إلى أعلى ذروة في سلسلة جبال نابلس حيث يجري خزنها في خزانات ضخمة لأغراض التوزيع المحلي.

وبالفعل قد تبنى هرتزل خطة بوركهات وطورها وضمنها في كتابه "الأرض الجديدة"الصادر عام 1902 وقد تحدث هيرتزل في كتابه عن قناة عرضها عشرة أمتار تربط البحرين الأبيض المتوسط والميت وعن عنقات مائية ستوضع قرب البحر الميت تعمل على المياه الساقطة الأمر الذي يزيد من كمية الكهرباء التي ستغذي المنطقة الصناعية الجديدة المقامة على شاطئ البحر الميت .وقد حدد هيرتزل العام الذي سيتم تنفيذ المشروع فيه وقال إن ذلك سيتحقق في عام 1923.

وبعد بوركهارت جاء مهندسون آخرون .ففي عام 1919 اقترح مهندس نرويجي يدعى بورث شف نفق مباشر تحت جبال القدس لإنتاج الطاقة الكهربائية على ساحل البحر الميت.وفي عام 1925 اقترح مهندس فرنسي يدعى بيير غندريون نقل المياه إلى غور الأردن عن طريق مرج ابن عامر وبناء محطتين توليد للكهرباء الأولى في مداخل بيسان والثانية في مصب نهر الأردن.

وبدأ التخطيط الصهيوني الفعلي منذ عام 1937 حيث تجولت مجموعة من المسؤلين الصهاينة على امتداد نهر الأردن وكان من بينهم دافيد بن غورين رئيس الوكالة اليهودية آنذاك والياهو غولومب واراهام هرتسفيلد ومناحيم بادر ويوسف افيدور وشلومو غور الذي قاد المجموعة وأثار حماسها.

وكان من نتيجة هذة الجولة أن طلبت الوكالة اليهودية من الولايات المتحدة الاميركية إيفاد خبراء اميركيين بشان القناة.وبالفعل أوفدت وزارة الزراعة الاميركية عام 1938 خبير الأراضي والري الاميركي البريفسور فالتر لاودور ميلك والخبير الاميركي جيمس هيس اللذين امضيا عاما كاملا في فلسطين حيث قاما بدراسة واسعة بشأن مشاريع الري اللازمة للكيان الصهيوني .وقد اعد ميلك تقريرا قدمه للوكالة اليهودية وتم نشرة في كتاب اصدرة ميلك بعنوان "فلسطين ارض الميعاد"عام 1944. وكان ابرز ما تضمنه تقرير ميلك هو شق قناة من البحر الأبيض المتوسط تنساب إلى البحر الميت مبينا إن من أهداف هذة القناة تحقيق الفوائد التالية:

أولا-تعويض البحر الميت عن مياه نهر الأردن التي ستحول إلى النقب.

ثانيا-إنشاء محطة توليد كهربائية تنتج طاقة عظيمة تزيد في المقدرة الصناعية اليهودية.

ثالثا- الاستيلاء على مصادر مياه نهر الأردن وروافده وهي نهر بانياس في سوريا والحاصباني في لبنان.

رابعا- تجفيف بحيرة الحولة وشق قنوات لري أراضي تلك المنطقة وجر فائض المياه إلى النقب.

خامسا- الاستيلاء على مياه نهر الليطاني وشق مجرى جديد له عبر الأراضي الفلسطينية ليصب في بحيرة سهل البطوف الاصطناعية ليجري تحويلها بعد ذلك للنقب.

وواضح ميلك في كتابه "إن مشروع القناة سوف ينعش اقتصاديا وزراعيا وصناعيا حوالي أربعة ملايين يهودي من لاجئي أوروبا وان تدفق المياه في الأردن واليرموك ووادي الزرقاء إلى السهول والسفوح المحيطة تستطيع إن تروي مزارع الأغوار وتستصلح الأراضي هناك للزراعة وان هذا من شانه توسيع رقعة الأراضي التي يمكن زراعتها إلى 300 ألف دونم بدلا من 155 ألف دونم "ورأى إن مياه البحر الميت كانت معرضة للنقص المستمر بسبب التبخير وان شق قناة ونفق من حيفا إلى منطقة الأغوار التي تبعد 25 ميلا فقط يستيطعان نقل مياه كافية من البحر الأبيض المتوسط إلى شمال منطقة وادي الأردن قدرها حوالي 1000 قدم مكعب في الثانية ورأى إنها قد تعوض فقدان مياه البحر الميت المبخرة وأنها قد تستطيع توليد طاقة كهر بائية تقدر بحوالي 76 ألف إلى 110 ألاف كيلو واط وان أية إضافات قد توصل الطاقة إلى 150 كيلو واط..

ورغم إن مشروع لاودر ميلك وضع في نهاية الثلاثينات إلا إن حكومة العدو الصهيوني لم تهمله.وبعد قيام الكيان الصهيوني استرشدت بهذا المشروع .وعندما بدأ ضخ المياه من تهر الأردن إلى النقب عام 1964 وجهت حكومة العدو الصهيوني دعوة لميلك مع بعض الشخصيات العالمية وأعلن رئيس وزرائها آنذاك في حفل تكريم الخبير الاميركي بان مشروع لاودر ميلك تقرر اعتباره"دستور إسرائيل المائي".

بعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948 انتقل تخطيط المياه إلى وزارة الزراعة التي قامت بالاتصال بالمهندس والمصمم جون كوتون لإعداد خطة شاملة لتطوير الري والطاقة الهيولية الكهربائية في الكيان الصهيوني.وفيما بين عامي 1950-1955 قدم كوتون ستة تقارير وكتب التقريرين الأول والثاني بالتعاون مع الخبير جيمس هيس الذي كان قد نشر كتابا عام 1948 بعنوان "سلطة سهل تنسي ونهر الأردن " الذي أشار فيه إلى ممرين لنقل المياه من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الميت:ممر الغور عبر نفق أو قناة ونفق تحت جبال القدس يمر تحت المدينة تماما ويربط أسدود بخربة قمران شمالي البحر الميت.

في تقريره المرحلي الأول درس كوتون سبعة ممرات مختلفة لربط البحر المتوسط بالبحر الميت وتضمن اقتراحين لتدفق مياه البحر المتوسط المالحة في ممرات مختلفة إلى بحيرة طبرية مباشرة التي كان لها إن تتحول إلى بحيرة مالحة بعد تحويل نهر الأردن قبل دخول المياه إليها في منطقة كورزيم.

كما وضع كونون خطة أخرى تشبه من حيث تفاصيلها ما يسمى الآن بمشروع المهندس غور وهي تقترح نقل المياه من البحر المتوسط عبر ممر نهر كيشون في حيفا وحفر قناة مفتوحة حتى منطقة الحميدية ومنها إلى نهر الأردن.

وقد أوصى كوتون في نهاية الأمر بتنفيذ المشروع بأسرع وقت ممكن وحذر في تقريره الإجمالي الذي قدمه في عام 1955 من حدوث مشاكل سياسية وقال انه بفضل إنشاء نفق ومحطة ضخ من نهر كيشون إلى نهر الأردن بعد استغلال جميع مياه نهر الأردن للري .وتوصل كوتون إلى نتيجة مفادها انه بعد تحويل نهري الأردن واليرموك سيصبح بالامكان ضخ كمية ثابتة من المياه بمعدل 26 مترا مكعبا بالثانية إلى البحر الميت.واقترح كوتون إقامة محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بقوة 110 ميغاواط وقدرت تكاليف مشروع كوتون ب 25 مليون دولار وبعد ذلك بخمس سنوات قدرت التكاليف ب 46 مليون دولار.

وعقب هزيمة 1967 قام عدد من المسؤلين والخبراء الصهاينة بجولة شبيهة بالجولة التي قام بها بن غوريون وزملائه عام 1937 وقد شارك شلومو غور في الجولتين ووضع مشروعا خاصا به عرف باسم "مشروع غور" لشق قناة في الجليل.

وفي تموز عام 1974 قدمت مجموعة من العلماء برئاسة البريفسور ميخائيل فلدمان من معهد وايزمان وثيقة مفصلة للحكومة الإسرائيلية تضمنت الخطوط العامة لمخططات تطوير إنتاج الطاقة من البحر الميت وغور الأردن .وتبنى هذه الوثيقة الصهيوني أيفال ألون.

ومع تسلم مناحيم بيغن لمقاليد السلطة في الكيان الصهيوني علم 1977 شكلت حكومة العدو الصهيوني لجنة لدراسة المشروع باسم "لجنة قناة البحر المتوسط-البحر الميت" وبرئاسة البريفسور يوفال نعمان الذي شغل منصب رئيس العلماء في الجيش الإسرائيلي والذي يتزعم منظمة هاتحياه-البعث الصهيونية المتشددة وضمت اللجنة في عضويتها عشرين من كبار المسؤلين الصهاينة وممثلين بعدد من المؤسسات الاقتصادية والمراكز العلمية الاسرائلية .

وقد باشرت اللجنة عملها في عام 1978 واستطاعت خلال فترة عملها أن تعيد النظر في 27 طريقا مقترحا لمجرى القناة واستقر رأيها على ثلاث طرق ثم اختارت من بينها الطريق الجنوبي والطرق الثلاثة هي:

1- الطريق الشمالي-طريق حيفا-وادي الحميدية-نهر الأردن-أريحا-البحر الميت.(مشروع غور).

2- الطريق الوسط-طريق نهر روبين-الخليل-تلال قمران-الطرف الشمالي من البحر الميت(مشروع لجنة اكتشاين).

3-الطريق الجنوبي-طريق القطيف على ساحل قطاع غزة-النقب الشمالي-عين بوقيق-البحر الميت(مشروع لجنة نعمان).

وقال رئيس "لجنة البحر المتوسط –البحر الميت"وهو أيضا رئيس مشاريع الطاقة النووية ومتخصص في دراسة الخرائط القديمة –أن مشروع قناة حيفا –وادي الحميدية يفترض أن تكون هذه الطريق طريقا مائيا بحريا تمر فيه السفن التي تنقل المواد الخام إلى العفولة وبيسان وتحمل البضائع الجاهزة للتصدير من ميناء حيفا وقد وجدت اللجنة أن فكرة الممر المائي البحري هذه غير ملائمة اقتصاديا .

وأضاف أن اللجنة رفضت كذلك فكرة بوركات التي تدعو إلى نقل قناة الأردن ومن ثم إلى البحر الميت وقال أن الضرر الذي يصيب الكائنات الحية من جراء تدفق مياه البحر إلى نهر الأردن بالإضافة إلى ملوحة مصادر المياه في المنطقة سيكون مأساويا .وأضاف أن الطريق الثاني الذي نظرت فيه اللجنة "طريق نهر روبين –الخليل –تلال قمران –الطرف الشمالي من البحر الميت "والذي سيكون على شكل أنبوب قطره خمسة أمتار وطوله حوالي 80 كيلومتر ا عدة مشاكل تكنولوجية خطيرة بسبب التعقيدات الموجودة على طول الطريق المقترحة ومن ضمنها الكهوف والتجاويف تحت الأرض وبرك مائية والتي من الممكن أن تثير مشاكل مختلفة في أثناء تنفيذ المشروع وبعد الانتهاء منه .أما الطريق الثالث الذي أقرته الحكومة الإسرائيلية بتاريخ 24 /8/980 م فهو الطريق الجنوبي الذي يبدأ من منطقة القطيف قرب خان يونس ويمر جنوب بئر السبع ثم ديمونا ثم عين بوقيق.وفي حالة تعذر شق هذه الطريق –من ناحية سياسية –من منطقة القطيف فسيتم شقها من شمال قطاع غزة وتحديدا "نتسانيم "وسيكلف ذلك 60 مليونا أخرى من الدولارات لأنه يزيد طول الطريق بمقدار عشرة كيلومترات .

وحسب المزاعم الإسرائيلية فقد اخذ بهذا الخط لأنه ليس محفوفا بمشاكل جيولوجية صعبة كالتي تشوب الخطين الشمالي والأوسط ولأنه يمر من جنوب مجمع المياه العذبة تحت الأرض الموجودة في فلسطين المحتلة وعلى عكس الخطين السالفي الذكر /يمر في مناطق قليلة السكان وسيكون بالامكان استغلال مياهه من اجل إقامة منشات تبريد في قلب النقب لمحطات الطاقة الكهربائية والنووية .وفي مقاله لرئيس اللجنة يوفال نعمان في صحيفة معاريف أوضح نعمان الدوافع التي حثت اللجنة على اختيار الخط الجنوبي بأنها /تبريد محطات الطاقة بشكل عام والطاقة النووية بشكل خاص ووضع بحيرة أو اثنتين للسباحة وتربية الأسماك البحرية واستغلال الأحجار الزيتية بالإضافة إلى تحلية مياه البحر .

وحسب المخطط سيتم حفر نفق طوله ستة كيلومترات عند المصب في البحر الأبيض المتوسط تليه قناة مفتوحة يتراوح عرضها بين 10-15 مترا ويصل طولها إلى 22 كيلومتر تؤدي إلى أنبوب آخر يبلغ طوله 86 كيلومتر وسيمر هذا الأنبوب مسافة 400 متر تحت الأرض ليصل إلى عين بقيق على البحر الميت الذي ينخفض 400 متر عن سطح البحر المتوسط وستقام هناك بركتان أو ثلاث لاختزان المياه التي ستدير أربع توربينات كهربائية وبعدها تطلق المياه إلى البحر الميت .وستمكن المياه المتدفقة على البحر الميت ستمكن إسرائيل من إنشاء بركة شمسية للمياه مساحتها حوالي 100 كم مربع وستكون هذه البركة قادرة خلال سنوات قليلة على النتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بقوة /1500 /ميغا واط أي ما يعادل الحاجة السنوية الراهنة .ونظرا لاحتواء المنطقة الجبلية على البحر الميت على الحجر الزيتي فان توفيره مياه التبريد لإنتاج النفط من الحجر الزيتي يني لإسرائيل ثروة نفطية جديدة وبكميات اقتصادية كبيرة وقدرت تكاليف المشروع بمبلغ 700 مليون دولار وقد ذهبت بعض المصادر الصهيونية إلى القول بان المشروع سيكلف أكثر من مليار دولار وسيتم تمويل المشروع من مستثمرين من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا برئاسة المحامي الكندي ألفين روز نبرنغح .وهذا الكونسورنيوم سيبني القناة والهياكل الأساسية الأخرى ويدفع عائدات امتياز للحكومة الإسرائيلية ثم يبيع الكهرباء المؤسسة الكهربائية التي تملكها الحكومة .وقد بدأت منظمة السندات الإسرائيلية الاميركية التي ساعدت في تمويل معظم المشاريع الإسرائيلية الكبرى بدأت حملة عالمية لتمويل المشروع عن طريق بيع سندات قيمة الواحد منها ألف دولار وقد أجملت مذكرة مقدمة إلى المؤتمر الثاني عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي عقد في 1/6/81م في بغداد أهم الفوائد التي سيحققها المشروع للكيان الصهيوني بما يلي:



تقدر الدراسات الأولية إن هذا المشروع سيوفر لإسرائيل عند انتهائه 50%من مجموع استهلاكها من الطاقة وحوالي 22 % من مجموع إسرائيل من الطاقة الكهربائي بشكل مجاني حيث ستوفر المحطة الهيدرو كهربائية التي ستقام على البحر الميت ما يتراوح بين 550-660 ميغاواط في حين قدرت الطاقة الإنتاجية للمحطات النووية التي ستقام على المشروع في صحراء النقب حوالي 900 ميغاواط. أما بالنسبة لإنتاج الطاقة الشمسية المتوقع استخراجها من البحيرة الشمسية فتقدر بحوالي 1500 ميغاواط وهكذا فان مشروع القناة سوف يوفر لإسرائيل أكثر من 3000 ميغاواط من الطاقة مع نهاية هذا القرن وهو رقم يزيد على إنتاج إسرائيل الحالي من الطاقة ويصل إلى نصف ما سوف تحتاجه إسرائيل من الطاقة في نهاية القرن.

يضاف إلى ذلك ما يتضمنه تنويع مصادر الطاقة من فوائد استراتيجية لإسرائيل لأنه يؤمن لها مصادر للطاقة غير مرتبطة بالخارج وبالتقلبات الدولية سواء كانت سياسية أم اقتصادية كما سيمكنها من تقليل اعتمادها على النفط وتزايد ارتفاع أسعاره.

سيمكن هذا المشروع إسرائيل من حل أزمة المياه التي ستواجهها بشكل حتمي خلال السنوات القادمة.حيث ستسهم محطات تحلية المياه التي ستقام على المشروع في منطقة النقب في توفير المياه الصالحة للاستعمالات المنزلية والزراعية والصناعية في حين تتمكن إسرائيل من الاحتفاظ برصيدها من المياه المخزونة إلى ابعد مدى ممكن.


إن حل مشكلتي المياه والطاقة سيمكن إسرائيل من أحداث تغييرات ديمغرافية واسعة النطاق في منطقة النقب.
فاستصلاح الأراضي للزراعة والسكن يقتضي بالضرورة تدفق الملايين من المهاجرين "قدرتهم بعض المصادر بأربعة ملايين..إلى المنطقة الجنوبية من فلسطين كما أن استغلال البحيرات الصناعية التي ستقام على جانبي القناة لأغراض السياحة والاستجمام وتربية الأسماك والطحالب وغير ذلك من الأغراض ستجعل من صحراء النقب منطقة سياحية وسكنية وصناعية.وبما أن القناة سوف توفر شواطئ تساعد على إنشاء المراكز والتجمعات السكانية وبما أن المشروع سيوفر كذلك فرص عمل لثمانية آلاف من المهندسين والخبراء والفنيين وستوفر المشاريع الصناعية والزراعية والسياحية التي ستقام عليه فرص عمل لآلاف أخرى فان الهجرة إلى الكيان الصهيوني سوف تنشط من جديد بعد الركود الذي طرأ عليها خلال النصف الثاني من السبعينيات كما سيؤدي بالمقابل إلى تقليل الهجرة من فلسطين المحتلة.

سيساعد المشروع في تطوير مفاعلات إسرائيل الذرية التي تعمل على تصنيع القنابل الذرية وإيجاد مصادر الطاقة البديلة للنفط...إن بناء قوة إسرائيل الذرية من شانه أن يمكنها من تثبيت احتلالها للأرض العربية كما انه سيعطيها من جانب آخر الامكانات والطاقات للازمة بشريا وعسكريا للتوسع على حساب الأراضي العربية الأخرى والتلويح الدائم بالردع النووي الواسع والمحدود في وجه أي تقدم أو ازدهار عربي .

يضاف إلى ذلك أن حفر القناة والبحيرات التابعة لها والحفاظ على منسوب البحر الميت أو رفعه والبحيرة الشمسية المزمع إنشاؤها لإنتاج الطاقة الشمسية في غور الأردن كلها ستكون بمثابة موانع مائية وحواجز طبيعية ذات فوائد استراتيجية للكيان الصهيوني عدا عن الفوائد الاستراتيجية الأخرى الناجمة عن إسكان ملايين من المهاجرين في صحراء النقب .

وتؤكد المذكرة في الختام أن الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من هذا المشروع ستجعل من إسرائيل دولة تتمتع من الاكتفاء الذاتي في شتى المجالات الاقتصادية والعسكرية.

ويظهر من خلال ما تقدم أن مشروع القناة والمشاريع الأخرى المرتبطة به تعد تطورا استراتيجيا كبيرا وستكون له انعكاسات خطيرة وبعيدة المدى على آفاق الصراع العربي الصهيوني بحيث سيتمكن الصهاينة من خلال هذا الإنجاز من تثبيت دعائم كيانهم وزيادة قدرتهم العدوانية والتوسعية وفرض أرادتهم وهيمنتهم كجزء من الهيمنة الإمبريالية على المنطقة العربية .

فمنذ أن فكر المستعمرون الأوربيون بإنشاء كيان صهيوني في فلسطين في خدمة مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة والتي بلورها تقرير بزمان عام 1907 م فكروا أيضا بكل ما يلزم هذا الكيان ويمكنه من الاستمرار في الوجود والاستمرار في تأدية المهام الموكلة إليه .

ويؤكد المسار التاريخي لنشأه الفكرة الصهيونية والكيان الصهيوني أن هذه المهام تتطور نوعيا وتزداد خطورة كلما ظهرت في الأفق البعيد ملامح وضع عربي يحمل في طياته ما يهدد الأهداف الاستراتيجية التي يسعى لتنفيذها هذا الكيان.

لقد اثبت العرب في حرب تشرين 73 م قدرتهم على ردع عدوانية الكيان الصهيوني والحد من توسعيته وتحجيمه .إلا أن الأنظمة العربية المتهالكة على التسوية بدل أن تعمل من اجل تعميق هذه القدرة وترسيخها وتمتينها فرطت بها عبر اتفاقات فصل القوات ومن ثم عبر معاهدة الصلح المصرية –الإسرائيلية واتفاقات كامب ديفيد .ويؤكد المسار التاريخي للصراع العربي –الصهيوني في غياب الرؤية الاستراتيجية العربية الكفيلة بحسم هذا الصراع لصالح الأمة العربية ونتيجة لغياب تلك الرؤية حصلت هزيمة 1948 م ومن ثم هزيمة حزيران 67 ومن ثم الهزيمة التي لحقت العرب اثر انتصارهم في تشرين 1973م .والتي تتمثل بالواقع الردئ الذي نعيشه الآن .وفيما بين السنوات المشار إليها كانت إسرائيل ولا تزال تسعى من اجل التحضير للمزيد من العدوان والمزيد من التوسع.إن شق هذه القناة يمثل نقطة تحول كبيرة وهامة في وجود الكيان الصهيوني وقوته على المدى الاستراتيجي حيث ستكون هذه القناة بمثابة رافعة يحقق من خلالها الكيان الصهيوني تطورا اقتصاديا وتكنولوجيا واستيطانيا ما يفوق ما حققه هذا الكيان في هذه المجالات على امتداد السنوات التي مضت منذ إنشائه وحتى الآن .

إن إنجاز العدو الصهيوني لهذه النقلة النوعية الكبيرة لا يعني فقط تمكين العدو من الاعتماد على ذاته وإنما أيضا وضع حجر الأساس الكبير للإمبراطورية الصهيونية في المنطقة وفي الوقت الذي يستمر فيه العدو الصهيوني في تحقيق الطموح تلو الطموح متقدما نحو الهدف الأعلى تتحطم طموحات العرب وتتفسخ نتيجة لسياسات الكثير من الأنظمة العربية التي لا هم لها سوى التكتيكات الموقوتة التي تحفظ لها استمرارها في سدة السلطة .

إن تدمير المفاعل النووي العراقي وبدء العمل في شق قناة البحار هما الآن بمثابة ناقوس خطر يدقان في السماء العربية كي تستيقظ هذه الأنظمة من سباتها وكي ترى الواقع بكل أبعاده إن كانت لا تزال قادرة على مثل هذه الرؤية وكي تنهض القوى العربية الحية وتتحد لمواجهة الأخطار المحدقة قبل فوات الأوان .

نشرة فتح المركزية العدد الثالث والعشرون تموز 1981 م.
فهل فات الأوان..........................

التعليقات